تشهد الساحة الدولية تصاعدًا غير مسبوق في الحراك الشعبي المناهض للحكومات، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في عدة دول خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعة إما بتصرفات سلطوية مباشرة أو نتيجة إخفاقات حكومية في الاستجابة للأزمات الاجتماعية والاقتصادية، هذه الموجة اللافتة تعكس حالة من السخط العارم وتثير تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في العالم.
في مناطق البلقان، انطلقت شرارة الغضب الشعبي في البوسنة وصربيا ومونتينيجرو ومقدونيا الشمالية، بينما شهدت أوروبا الوسطى احتجاجات حاشدة في جورجيا والمجر وسلوفاكيا، وامتدت التظاهرات إلى دول مثل اليونان وتركيا وكوريا الجنوبية، حيث ارتكزت معظم هذه التحركات على رفض نهج سلطوي متصاعد أو تنديد بتقاعس رسمي عن مواجهة الأزمات.
في جورجيا وموزمبيق، أشعلت مزاعم التزوير الانتخابي غضبًا واسعًا، بينما فجرت قرارات مثيرة للجدل احتجاجات في المجر وإسرائيل، إذ أقر البرلمان المجري قانونًا يجرّم فعاليات المثليين ويشرّع المراقبة بالذكاء الاصطناعي، في حين هزت التظاهرات إسرائيل بعد إقالة رئيس الشاباك، ما اعتبره المحتجون محاولة من نتنياهو لتكريس قبضته على السلطة.
كوريا الجنوبية بدورها شهدت مظاهرات حاشدة عقب فرض الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية، وهي خطوة أثارت مخاوف من تراجع الحريات، فيما تفجرت احتجاجات عنيفة في تركيا بعد اعتقال رموز معارضة على رأسهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو من أبرز خصوم الرئيس رجب طيب أردوغان.
أما في صربيا، فقد بدأ الحراك كرد فعل على حادث بنيوي بسيط، لكنه تحول إلى موجة شعبية واسعة تندد بالفساد وتطالب بإصلاحات ديمقراطية، كما كان للملفات الإغاثية والكارثية دورٌ محوري في إشعال الغضب الشعبي في دول مثل البوسنة واليونان ومونتينيجرو ومقدونيا الشمالية، نتيجة سوء الأداء الرسمي وغياب المساءلة.
الولايات المتحدة لم تكن بمعزل عن هذه الأجواء، فقد خرجت تظاهرات في بعض المدن احتجاجًا على سياسات إدارة ترامب، خاصة في ما يتعلق بالهجرة والموقف من الفلسطينيين، في حين ظهرت في البرازيل والفلبين وكوريا الجنوبية ورومانيا مظاهرات مؤيدة لقادة متهمين بتقويض الديمقراطية.
ويرى مراقبون أن تأثير العدوى لعب دورًا في انتقال الاحتجاجات بين دول البلقان، بينما ظلت دوافع التظاهرات خارجها مرتبطة بأوضاع محلية، وتشير هذه التحركات، رغم اختلاف أسبابها، إلى انقسام حاد في التقييم السياسي، حيث يرى البعض فيها مؤشرا خطيرا على تراجع الأنظمة الديمقراطية، بينما يعتبرها آخرون دليلًا على حيوية الشعوب وإصرارها على المطالبة بالحقوق والمحاسبة.
ورغم أن أغلب هذه الانتفاضات لم تنجح حتى الآن في كبح الممارسات السلطوية، إلا أن بعض النجاحات المحدودة، كما في صربيا التي شهدت استقالة رئيس الوزراء، تبرهن على أن الشعوب قادرة على تغيير المعادلة السياسية، حتى عندما تواجه حكومات تسعى إلى فرض إرادتها بالقوة.