في خطوة قانونية غير مسبوقة قد تُحدث تحوّلًا جذريًا في مشهد التكنولوجيا العالمي، تخوض شركة “ميتا” تحديًا قضائيًا كبيرًا أمام القضاء الأمريكي، في قضية وُصفت بأنها من أضخم قضايا مكافحة الاحتكار في العصر الرقمي، وسط اتهامات مباشرة بممارسة ممارسات احتكارية خانقة من خلال الاستحواذ على “إنستغرام” و”واتساب” ما قد يعرضها لخطر تفكيك أجزاء رئيسية من كيانها.
وتأتي هذه المحاكمة وسط مطالبات رسمية من هيئة التجارة الفيدرالية بفك الارتباط بين “ميتا” ومنصاتها الشهيرة التي حصلت عليها عبر صفقات ضخمة، متهمة الشركة باستخدام أسلوب الشراء المنهجي للتخلص من أي تهديدات تنافسية ناشئة، ما يتنافى مع قوانين التنافس الحرة.
وقد بدأ القاضي الفيدرالي جيمس بواسبيرغ النظر في تفاصيل الدعوى، حيث تتركز المرافعات حول نقطة محورية: هل عمدت “ميتا” إلى احتكار السوق عبر ابتلاع منافسين كانوا يمثلون تهديدًا مباشرًا لنفوذها؟ وإذا صح ذلك، هل يمكن فرض حلول قانونية تُلزمها بفك هذه الصفقات التي أُبرمت منذ سنوات؟.
أما “ميتا” فقد نفت هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا، معتبرة أنها لا تحتكر السوق، وأن منصاتها تواجه منافسة شرسة من تطبيقات حديثة مثل “تيك توك” و”سناب شات”، مؤكدة أن الصفقات المبرمة نالت موافقة الجهات التنظيمية في حينها، ولا ينبغي الرجوع عنها بعد مرور كل هذا الوقت.
ويمثل هذا الصراع القضائي واحدًا من أهم الملفات التقنية التي تحاول الإدارة الأمريكية من خلالها فرض رقابة أكثر صرامة على الشركات التكنولوجية الكبرى، خاصة تلك التي باتت تملك تأثيرًا ضخمًا على سلوك المستخدمين وخياراتهم في العالم الرقمي.
ويُنتظر أن تستمر المحاكمة لأسابيع، بمشاركة عدد من كبار المسؤولين السابقين في “ميتا”، بمن فيهم مارك زوكربيرج الذي سيدلي بشهادته، إضافة إلى شيريل ساندبرج وعدد من مؤسسي المنصات المستحوذ عليها.
وفي حال نجحت الحكومة في إثبات أن الهيمنة التي تحظى بها “ميتا” لم تكن لتتحقق لولا عمليات الاستحواذ، فإن ذلك قد يشكل سابقة قانونية تُمهد لتفكيك شركات أخرى تواجه دعاوى مشابهة، أبرزها “جوجل” و”أمازون” و”أبل”، التي تخضع حاليًا لتدقيق واسع في ممارساتها التجارية.
وتكتسب هذه القضية دعمًا نادرًا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ما يعكس اهتمامًا عابرًا للانتماءات السياسية في ضبط إيقاع القوة المتزايدة لشركات التقنية الكبرى، وحماية الأسواق من سيطرة القلة الرقمية على خيارات المستهلكين ومسارات الابتكار.
في المقابل، أكدت “ميتا” أن نتائج هذه القضية قد تُستخدم كذريعة ضد الابتكار ذاته، ما يُهدد قدرة الشركات على التوسع في المستقبل، ويبقى الحكم بيد القضاء الأمريكي، الذي قد يرسم ملامح مرحلة جديدة في علاقة الدولة بعمالقة التكنولوجيا العالميين.